الدكتور ماهر المحروق
على الرغم من شمولية الزيارة الملكية إلى الولايات المتحدة الأميركية وتناولها لمحاور عدة وعلى كافة الصعد، لا شك بأن الشأن الاقتصادي حظي بجزء مهم فيها، وبدا ذلك جلياً من خلال برنامج العمل المكثف الذي شهد لقاءات موسعة أكدت على محاور مفصلية لتنمية وتعميق العلاقات الاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة من جانب، وفتح آفاق واسعة للاقتصاد الأردني من جانب.
الاشارات الملتقطة من لقاءات جلالة مع الرئيس بايدن، وما تلاها من لقاءات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والوكالة الأميركية للتنمية، والخزانة الأميركية وغيرها، الى آفاق جديدة داعمة للإقتصاد الأردني في التخفيف من تداعيات الجائحة الاقتصادية ودعم جهود النهوض بالواقع الاقتصادي وتحفيز النمو وإيجاد فرص العمل، وتخفيف الأعباء التي يتحملها الأردن جراء استضافته للاجئين.
كما حملت النتائج الأولية للزيارة الى زيادة المساعدات الأميركية للأردن، ودراسات الطلب الأردني بالحصول على استثناءات من قانون قيصر مع سوريا، ودعم مباشر للاقتصاد والقطاعات المشغّلة للمرأة والشباب، ودراسة طلب الأردن بازالة اي عوائق لانسياب كافة السلع الأردنية للسوق الأميركي وتوسعة شمولية اتفاقية التجارة الحرة، وغيرها من النتائج، التي تؤكد وبما لا شك فيه على فتح آفاق جديدة لدعم القطاعات الاقتصادية، وتؤشر على نتائج مثمرة في قادم الأيام.
ولعل استمرار جهود جلالة الملك المعظم في إيصال الصورة المتميزة لبيئة المملكة الاستثمارية وجذب كبرى الشركات العالمية للعمل في المملكة وبما ينعكس إيجاباً على إقتصادنا الأردني وتساهم بشكل كبير في تشغيل الكثير من شبابنا الأردني، جاءت من خلال مشاركته في الملتقى الاقتصادي الذي استضافته مدينة صن فالي، بحضور قيادات سياسية واقتصادية وإعلامية أميركية ودولية، وعقد جلالته على هامش أعمال الملتقى، لقاءات منفصلة مع رؤساء وممثلي عدد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة والعالم، واستعراض المزايا الاستثمارية في الأردن، والم?قع الاستراتيجي الذي تتمتع به المملكة، واتفاقيات التجارة الحرة التي تربطها مع العديد من الدول، بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من الموارد والكفاءات البشرية المؤهلة فيها.
وهذا يؤكد على رؤى وجهود جلالة الملك في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للمملكة، وايلاء أهمية كبرى لاستغلال هذه الاستثمارات في توسيع القاعدة الانتاجية، وتنويع الصادرات من خلال استغلال اتفاقيات التجارة الحرة.
ولا يفوتنا الإشارة هنا، إلى اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الأردن وأميركا، التي شكلت نقطة تحول حقيقية في نمو وتطور العلاقات التجارية بين البلدين، إذ يعتبر تاريخ دخولها حيز النفاذ نقطة فاصلة في تطور العديد من القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها القطاع الصناعي الذي شهد نقلات نوعية وتطورا ملحوظا على مدار العقدين الماضيين. إذ جاءت بجهود ملكية أسست لجذب استثمارات نوعية من كبرى الشركات العالمية للاستفادة من هذه الاتفاقية، وساهمت برفع قدرات القطاع الانتاجية والتشغيلية وتوفير آلاف فرص العمل من جانب، وتبوءه مكانة ها?ة في الأسواق التصديرية العالمية وخاصة في سوق الولايات المتحدة من جانب آخر.
أعداد المنشآت العاملة في القطاع شهدت قفزات كبيرة ووصلت إلى ما يزيد عن 9.5 الاف منشأة خلال العقد ما بعد دخول الاتفاقية حيز النفاذ، مقارنة مع حوالي 4 الاف منشأة خلال العقد قبل دخول الاتفاقية حيز النفاذ، ويعزى ذلك بشكل رئيسي الى الاستثمارات الجديدة التي تدفقت الى الأردن بعد الاتفاقيات مع الولايات المتحدة وجهود جلالة الملك المعظم بجذب كبرى الشركات للعمل في المملكة، وخاصة في مجال صناعة الألبسة والمحيكات.
وتعتبر اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أبرز الاتفاقيات نجاعةً ومنفعةً للإقتصاد الوطني، فناهيك عن الاستثمارات الكبيرة المتدفقة بموجبها، تعد الاتفاقية الوحيدة التي يميل الميزان التجاري خلالها لصالح الأردن، على الرغم من فوارق الامكانات بين الأردن وامريكا، الا أن صادراتنا الوطنية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين، مستفيدةً من المزايا التي توفرها اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية.
اذ وصل حجم الصادرات الوطنية الى الولايات المتحدة ما يقارب 2 مليار دولار خلال العام 2019، مقارنة مع حوالي 235 مليون دولار فقط خلال العام 2001، لتحقق بذلك الصادرات الوطنية الى امريكا خلال العقدين الأخيرين معدل نمو سنوي وصل الى نحو 11%. ولتتجاوز بذلك حجم المستوردات الأردنية من الولايات المتحدة البالغة نحو 1.6 مليار دولار خلال العام 2019، ليحقق الميزان التجاري الأردني وفراً بنحو 400 مليون دولار خلال نفس العام.
اليوم نحن بحاجة إلى أكثر من أي وقت مضى، للعمل سوياً لبلورة نتائج الزيارات الملكية وجهودها المضينة وترجمتها أكثر من أي وقت مضى في تنويع الصادرات الأردنية الى الأسواق العالمية المختلفة على وجه العموم وإلى سوق الولايات المتحدة على وجه الخصوص، من خلال ضرورة العمل على تطوير آليات الترويج للمنتجات الأردنية وربطها بآليات وأساليب جذب الاستثمارات الجديدة.
فالجهود الملكية تؤسس القاعدة الصلبة المتينة في العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول العالم، وبحاجة من القطاع الخاص والحكومة معاً، لاعادة ترتيب أولوياتنا في الترويج وتنويع الصادرات، لالتقاط الرسائل من هذه الجهود والبناء عليها لتحقيق الاستفادة المرجوة للاقتصاد الوطني.